كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(أَوْ) حُدَّ شَارِبٌ (أَكْثَرَ) مِنْ أَرْبَعِينَ بِنَحْوِ نَعْلٍ أَوْ سَوْطٍ، (وَجَبَ قِسْطُهُ بِالْعَدَدِ)، فَفِي أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ، وَفِي ثَمَانِينَ نِصْفُهَا، وَتِسْعِينَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهَا؛ لِوُقُوعِ الضَّرْبِ بِظَاهِرِ الْبَدَنِ، فَيَقْرُبُ تَمَاثُلُهُ فَيَسْقُطُ الْعَدَدُ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يَأْتِي فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ: (وَفِي قَوْلِ نِصْفُ دِيَةٍ) لِمَوْتِهِ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إنْ ضَرَبَهُ الزَّائِدَ وَبَقِيَ أَلَمُ الْأَوَّلِ وَإِلَّا ضَمِنَ دِيَتَهُ كُلَّهَا قَطْعًا، قِيلَ: الْجُزْءُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ مَا طَرَأَ إلَّا بَعْدَ ضَعْفِ الْبَدَنِ، فَكَيْفَ يُسَاوِي الْأَوَّلَ وَهُوَ قَدْ صَادَفَ بَدَنًا صَحِيحًا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا تَفَاوُتٌ سَهْلٌ فَتَسَامَحُوا فِيهِ وَبِأَنَّ الضَّعْفَ نَشَأَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ فَلَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ.
(وَيَجْرِيَانِ) أَيْ: الْقَوْلَانِ (فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ) سَوْطًا فَمَاتَ فَفِي الْأَظْهَرِ يَجِبُ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَكَذَا فِي بِكْرٍ زَنَى جَلْدُ مِائَةٍ وَعَشْرًا.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ جَرَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) عَلَى هَذَا يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ فَحِينَئِذٍ هَلْ يُعَارَضُ ذَلِكَ قَوْلَهُ السَّابِقَ: فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا ضَمِنَ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ ضَرَبَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ أَلَمِ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: فِيهِ) صِفَةُ سِلْعَةٍ أَيْ كَائِنَةً فِيهِ فِي الْمَتْن.
(قَوْلُهُ: الْحَدَّ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِضُرِبَ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْحَدِّ.
(قَوْلُهُ: بِتَقْدِيرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّةِ الْخَبَرِ.
(قَوْلُهُ: وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ مَنَعْنَاهُ) أَيْ: حَدَّ شَارِبِ الْخَمْرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ بِالسِّيَاطِ وَبِغَيْرِهِ. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: وَذِكْرُ هَذَا) أَيْ: قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا أَرْبَعُونَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ فَحِينَئِذٍ فَهَلْ يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلَهُ السَّابِقَ فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا؟. اهـ. سم أَقُولُ: وَكَذَا اسْتِدْلَالُ مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِالضَّمَانِ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأَرْبَعِينَ اجْتِهَادِيٌّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَرَيَانِ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ: قَسَّطَهُ بِالْعَدَدِ) أَيْ: قَسَّطَ الْأَكْثَرَ بِعَدَدِ الْجَلَدَاتِ نَظَرًا لِلزَّائِدِ فَقَطْ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: تَمَاثُلُهُ) أَيْ: الضَّرْبَ، وَكَذَا ضَمِيرُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا إلَخْ) أَيْ: بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ) أَيْ: الْقَوْلَيْنِ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: بِأَنْ ضَرَبَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ أَلَمِ الْأَوَّلِ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: ضَمِنَ دِيَتَهُ كُلَّهَا إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الزَّائِدُ بَعْدَ زَوَالِ أَلَمِ الْأَوَّلِ كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى إحَالَةِ الْهَلَاكِ عَلَى الزَّائِدِ فَقَطْ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ بِأَنَّ حِصَّةَ السَّوْطِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ مَثَلًا لَا تُسَاوِي حِصَّةَ السَّوْطِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَادَفَ بَدَنًا صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ الضَّرْبُ بِخِلَافِ الْأَخِيرِ فَإِنَّهُ صَادَفَ بَدَنًا قَدْ ضَعُفَ بِأَرْبَعِينَ، وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ قَطَعُوا النَّظَرَ عَنْ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: جَلْدُ مِائَةٍ) الْأَوْلَى الْعَطْفُ.
(وَاسْتَقَلَّ) وَهُوَ الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ وَلَوْ سَفِيهًا (قَطْعُ سِلْعَةٍ) بِكَسْرِ السِّينِ مَا يَخْرُجُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ مِنْ الْحِمَّصَةِ إلَى الْبِطِّيخَةِ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ إزَالَةً لِشَيْنِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَالْفَصْدِ، وَمِثْلُهَا فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي الْعُضْوُ الْمُتَآكَلُ (إلَّا مَخُوفَةً) مِنْ حَيْثُ قَطْعُهَا (لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا) أَصْلًا، بَلْ فِي قَطْعِهَا وَلَوْ احْتِمَالًا فِيمَا يَظْهَرُ، (أَوْ) فِي كُلٍّ مِنْ قَطْعِهَا وَتَرْكِهَا خَطَرٌ، لَكِنْ (الْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ) مِنْهُ فِي تَرْكِهَا؛ فَيُمْتَنَعُ الْقَطْعُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوَيَا، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ كَانَ التَّرْكُ أَخْطَرَ، أَوْ الْخَطَرُ فِيهِ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَطْعِ خَطَرٌ وَجَهِلَ حَالَ التَّرْكِ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ لَا خَطَرَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَجُوزُ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا مِنْ غَيْرِ أَدَائِهِ إلَى الْهَلَاكِ وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ وُجُوبَهُ إذَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إنَّ عَدَمَهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ أَيْ عَدْلٍ رِوَايَةً، وَأَنَّهُ يَكْفِي عِلْمُ الْوَلِيِّ فِيمَا يَأْتِي أَيْ: وَعِلْمُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ إنْ كَانَ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ، (وَلِأَبٍ وَجَدٍّ) لِأَبٍ وَإِنْ عَلَا، وَأُلْحِقَ بِهِمَا السَّيِّدُ فِي قِنِّهِ وَالْأُمُّ إذَا كَانَتْ قَيِّمَةً وَلَمْ تُقَيَّدْ بِذَلِكَ فِي التَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ (قَطْعُهَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الْخَطَرِ) فِي كُلٍّ، لَكِنْ (إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ) عَلَى الْقَطْعِ لِصَوْنِهِمَا مَالَهُ فَبَدَنُهُ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا انْحَصَرَ الْخَطَرُ فِي الْقَطْعِ أَوْ زَادَ خَطَرُهُ اتِّفَاقًا أَوْ اسْتَوَيَا، وَفَارَقَا الْمُسْتَقِلَّ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ لِلْإِنْسَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ لَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ، (لَا) قَطْعُهَا مَعَ خَطَرٍ فِيهِ (لِسُلْطَانٍ) وَنُوَّابِهِ وَوَصِيٍّ، فَلَا يَجُوزُ إذْ لَيْسَ لَهُمْ شَفَقَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ (وَلَهُ) أَيْ: الْأَصْلِ الْأَبِ وَالْجَدِّ (وَلِسُلْطَانٍ) وَنُوَّابِهِ وَالْوَصِيِّ (قَطْعُهَا) إذَا كَانَ (بِلَا خَطَرٍ) فِيهِ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرْكِ خَطَرٌ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَلَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَأَبٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ ذَلِكَ بِحَالٍ، فَإِنْ فَعَلَهُ فَسَرَى لِلنَّفْسِ اقْتَصَّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إمَّا أَوَّلًا فَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَمَدَ مَعْرِفَةَ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا شَهِدَ بِهِ خَبِيرَانِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِعَدَاوَتِهِ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِي الْكُفْءِ وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا يُؤَدِّي لِلتَّلَفِ، فَالْوَجْهُ مَا أَطْلَقُوهُ هُنَا، (وَ) لِمَنْ ذُكِرَ (فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ) وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ عِلَاجٍ سَلِيمٍ عَادَةً، أَشَارَ بِهِ طَبِيبٌ لِنَفْعِهِ لَهُ (فَلَوْ مَاتَ) الْمَوْلَى (بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا) الَّذِي هُوَ قَطْعُ السِّلْعَةِ أَوْ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ، وَمِثْلُهَا مَا فِي مَعْنَاهَا (فَلَا ضَمَانَ) بِدِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرَ الْمَوْلَى، نَعَمْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِحُرْمَةِ تَثْقِيبِ أُذُنِ الصَّبِيِّ أَوْ الصَّبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إيلَامٌ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ الْغَزَالِيُّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ رُخْصَةٌ وَلَمْ تَبْلُغْنَا.
وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ قَاضِي خَانْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ جَاهِلِيَّةً وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الرِّعَايَةِ لِلْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ فِي الصَّبِيَّةِ لِغَرَضِ الزِّينَةِ وَيُكْرَهُ فِي الصَّبِيِّ وَأَمَّا مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّ النِّسَاءَ أَخَذْنَ مَا فِي آذَانِهِنَّ وَأَلْقَيْنَهُ فِي حِجْرِ بِلَالٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَاهُنَّ» فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجَوَازِ؛ لِأَنَّ التَّثْقِيبَ سَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ سُكُوتِهِ عَلَيْهِ حِلُّهُ، وَزَعَمَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ لَا يُجْدِي هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَأْخِيرُ ذَلِكَ إلَّا لَوْ سُئِلَ عَنْ حُكْمِ التَّثْقِيبِ أَوْ رَأَى مَنْ يَفْعَلُهُ أَوْ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ وَقْتُ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا شَيْءٌ وَقَعَ وَانْقَضَى وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ فُعِلَ بَعْدُ أَوْ لَا فَلَا حَاجَةَ مَاسَّةَ لِبَيَانِهِ، نَعَمْ خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عَدَّ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ أَنْ تُثْقَبَ آذَانُهُ.
صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فِي الصَّبِيِّ، فَالصَّبِيَّةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ مَا ذُكِرَ عَنْ قَاضِي خَانْ وَالرِّعَايَةِ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ الْحِلِّ، ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ اسْتَدَلَّ لِلْجَوَازِ بِمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ «قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: كُنْت لَك كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ» مَعَ قَوْلِهَا: أَنَاسَ أَيْ: مَلَأَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنِي انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ يُتَلَقَّى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ النِّسَاءِ؛ إذْ بِفَرْضِ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أُذُنَيْهَا كَانَتَا مُخْرَقَتَيْنِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَأَهُمَا حُلِيًّا هُوَ مُحْتَمَلٌ إذْ لَمْ يُدْرَ مَنْ خَرَقَهُمَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ وُجُودَ الْحُلِيِّ فِيهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى حِلِّ ذَلِكَ التَّخْرِيقِ السَّابِقِ، وَيَظْهَرُ فِي خَرْقِ الْأَنْفِ بِحَلْقَةٍ تُعْمَلُ فِيهِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا زِينَةَ فِي ذَلِكَ يُغْتَفَرُ لِأَجْلِهَا إلَّا عِنْدَ فِرْقَةٍ قَلِيلَةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا مَعَ الْعُرْفِ الْعَامِّ بِخِلَافِ مَا فِي الْآذَانِ فَإِنَّهُ زِينَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوَاعِدِ حُرْمَةُ ذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِيهِ يُغْتَفَرُ لِأَجْلِهَا ذَلِكَ التَّعْذِيبُ، وَلَا نَظَرَ لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ زِينَةٌ فِي حَقِّهِ مَا دَامَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا زِينَةَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَبِفَرْضِهِ هُوَ عُرْفٌ خَاصٌّ، وَهُوَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لَا فِي الصَّبِيَّةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ زِينَةٌ مَطْلُوبَةٌ فِي حَقِّهِنَّ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَقَدْ جَوَّزَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّعِبَ لَهُنَّ لِلْمَصْلَحَةِ، فَكَذَا هَذَا، وَأَيْضًا جَوَّزَ الْأَئِمَّةُ لِوَلِيِّهَا صَرْفَ مَالِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِزِينَتِهَا لُبْسًا وَغَيْرَهُ مِمَّا يَدْعُو الْأَزْوَاجَ إلَى خِطْبَتِهَا وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَوَاتُ مَالٍ لَا فِي مُقَابِلٍ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَتِهَا الْمَذْكُورَةِ، فَكَذَا هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَفَرَ هَذَا التَّعْذِيبُ؛ لِأَجْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ تَعْذِيبٌ سَهْلٌ مُحْتَمَلٌ وَتَبْرَأُ مِنْهُ سَرِيعًا، فَلَمْ يَكُنْ فِي تَجْوِيزِهِ لِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ مَفْسَدَةٌ بِوَجْهٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوَيَا وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ كَانَ التَّرْكُ أَخْطَرَ أَوْ الْخَطَرُ فِيهِ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: فَإِنْ قَطَعَهُمَا أَيْ: الْغُدَّةَ وَالْيَدَ الْمُتَأَكِّلَةَ مِنْ الْمُسْتَقِلِّ أَجْنَبِيٌّ بِلَا إذْنٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَكَذَا الْإِمَامُ أَيْ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ بِقَطْعِهِمَا بِلَا إذْنٍ. اهـ.
ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ، وَقَدْ يُقَالُ: إذَا غَلَبَتْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَطْعِ خَطَرٌ وَجَهِلَ حَالَ التَّرْكِ فِيمَا يَظْهَرُ) لَك أَنْ تَقُولَ: لَا وَجْهَ لِذِكْرِ هَذَا الْقِسْمِ وَلَا لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ الْمَجْهُولَ حَالُهُ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خَطَرٌ فَيَدْخُلَ فِيمَا يَأْتِي، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَطَرٌ فَيَدْخُلَ فِيمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَهُ فَسَرَى لِلنَّفْسِ اقْتَصَّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) صَرِيحٌ فِي الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ أَيْضًا مَعَ انْتِفَاءِ الْخَطَرِ فِي الْقَطْعِ فَقَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الْقَطْعَ حِينَئِذٍ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا فِي قَطْعِ أُنْمُلَةٍ مَعَ السِّرَايَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا فِي الْهَامِشِ عَنْ الرَّوْضِ مِنْ الِاقْتِصَاصِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالسُّلْطَانِ إذَا قَطَعَا مِنْ الْمُسْتَقِلِّ بِلَا إذْنٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَطْعِ خَطَرٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيَبْقَى مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَطْعِ خَطَرٌ وَمَاتَ فَوْرًا فَهَلْ تَتَحَقَّقُ السِّرَايَةُ فِي هَذَا الْحَالِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا شَهِدَ بِهِ خَبِيرَانِ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْعَدَّ، وَقَدْ يَتَسَاهَلُ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْخِبْرَةِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ إلَخْ) دَخَلَ فِيهِ مَا جَازَ لِلسُّلْطَانِ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ، خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عَدَّ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ أَنْ تَثْقُبَ آذَانُهُ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فِي الصَّبِيِّ فَالصَّبِيَّةُ أَوْلَى) أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِالْحُرْمَةِ فِي الصَّبِيَّةِ أَيْضًا وَكَتَبَ بِهَامِشِ الرَّوْضِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ مَا ذُكِرَ عَنْ قَاضِي خَانْ) فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحُرُّ) إلَى قَوْلِهِ أَيْ: عَدْلٌ رِوَايَةً فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْله: وَالْمُكَاتَبُ، وَقَوْلُهُ: بَلْ فِي قَطْعِهَا إلَى الْمَتْنِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ وَإِلَى قَوْلِهِ: وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: وَلَوْ احْتِمَالًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَوْلُهُ: جَهِلَ حَالَ التَّرْكِ فِيمَا يَظْهَرُ.
(قَوْلُهُ: الْبَالِغُ إلَخْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْهُمَا.